وضمن فعاليات مهرجان أبوظبي للثقافة والفنون في دورته التي انتهت في مارس الماضي شهدت منارة السعديات بأبوظبي واحدًا من المعارض الاستثنائية والفريدة تحت عنوان: "من برشلونة إلى أبوظبي" ضم المعرض أعمالا فنية من متحف برشلونة للفن المعاصر في حوار مع 20 فنانًا يمثلون الفن الإماراتي، في حين ضمت مجموعة برشلونة أعمال أكثر من 70 فنانًا تشكيليًا على مدى 90 عامًا، يمثلون الحقبتين الحديثة والمعاصرة، من بينهم ألكساندر كالدر، وسول ليويت، وبييرو مانتسونى، وأنطونى تابييس، إلى جانب هنرى ميشو دخلت كلها فى حوار مع أعمال فنية من إبداعات رواد الفن الإماراتى، من بينهم الراحل حسن شريف، ومحمد كاظم، وابتسام عبدالعزيز ومن المعاصرين ليلى جمعة ومحمد المزروعى وفرح القاسمى. واجتمعت الأعمال التى قدمها المعرض حول مجموعة من الأسئلة الوجودية التى تتساءل عن ماهية الإنسانية، وأين وكيف نعيش؟ وما هو الفن؟
وما يميز المعرض أن جولته كانت الأولى في العالم العربي، وجاء بإشراف مشترك بين فيران بارينبليت مدير "متحف ﺑرﺷﻠﻮﻧﺔ ﻟﻠﻔﻦ المعاصر"، وناصر عبد الله، رئيس مجلس إدارة "جمعية الإمارات للفنون التشكيلية".
وخلال جولة بالمعرض أوضحت هدى إبراهيم الخميس، مؤسس مجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون، ومدير المهرجان: "إنّ للفن القدرة العظيمة على بناء جسور التواصل الفكري والتقارب الوجداني، ففي مساحة الجمال تلتقى الأفكار وتبدع العقول، ويكون للذائقة الدور الأكبر في استشراف مسارات الخطاب الحضاري بين الأنا والآخر".
في حين أشار المقيم الإسباني فيران بارينبليت إلى أنه جرى اختيار الأعمال بغرض منح الزائرين فسحة للتأمل بالاعتماد على العناصر التي تؤلفها، وكلها تعكس روح الفن المعاصر من منظور يهدف للوصول إلى شريحة جماهيرية واسعة للغاية.
تولى الأعمال المختارة من الفن الأوروبي اهتمامًا واسعًا بتاريخ هذه الشعوب، وتشتمل أقسامها الجغرافية المتعاقبة على الفن الذى تم إنتاجه في برشلونة وكتالونيا وإسبانيا، ويبدو فيها ارتباطها بمحيطها المباشر والواضح؛ عبر أوروبا الغربية والساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، لاستشكاف خبايا الذاكرة المشتركة، كل هذا يحدث ضمن مبنى واحد أفقيًا يتبع منطقًا مقبولاً عالميًا مذهلاً يحمل اللمسة التصميمية للمهندس المعماري ريتشارد ماير، التي تكشف بجدارة الدور الذى يمكن أن تلعبه المتاحف العامة إثر اندماجها في مختلف الثقافات المعاصرة اليوم.
وعبر نتاجات المعرض يبدو أن فن القرن العشرين هو ثمرة التناقض الحاصل بين البحث عن الأعمال الفنية التي يستحيل عرضها وجمعها، والجهود التي يبذلها أولئك الذين يصرون على عرض وجمع هذه الأعمال، ويؤكد هذا التناقض الواضح أن المجموعة الفنية أصبحت أساسية لإنتاج الفن المعاصر، شيء يمكن إما التحالف معه أو النضال ضده
أتاح معرض "من برشلونة إلى أبو ظبي" خوض رحلة للتفكير بالدور الذي يلعبه الفن في المشهد المعاصر، وعلى حد تعبير الفنان روبير والذي ترك بصمة مؤثرة في تاريخ "متحف برشلونة للفن المعاصر": فإن "الفن هو ما يجعل الحياة أكثر إثارة للاهتمام".
ركز المعرض إجمالا على قوانين الحياة المشتركة، في مدننا وفى الطريقة التي نتواصل بها مع بيئتنا الطبيعية، حيث ننظر إلى الفن نفسه وقدرته على نقل الأفكار، ورسالته لأداء مهمته في تجسيد الواقع وتنوع ردود الأفعال التي تنجم عن ذلك.
وتكشف الأعمال المختارة للفنانين الإماراتيين كما يقول القيم ناصر عبد الله عن مسار بياني لتطور هذا الفن، فقد تنوعت مصادر جيل الرواد وانعكس ذلك في تنوع الخيارات الفنية من الرسم الكلاسيكي وحتى التجريد لكن الطفرة الكبرى أحدثها حسن شريف بالتركيز على توجهات الفن المعاصر وتبنيه كخيار رئيسي وإلى جواره مجموعة من الفنانين والمثقفين الذين يحملون راية الحداثة الفنية، وظهرت أعمالهم بالمعرض وهم حسين شريف ومحمد أحمد إبراهيم وعبد الله السعدى ومحمد كاظم وابتسام عبدالعزيز ثم ليلى جمعة وفرح القاسمي ومحمد المزروعي.
من ناحية أخرى نظم مهرجان أبو ظبي للثقافة والفنون على هامش المعرض ندوة حوارية بعنوان "جمع الأعمال الفنية المعاصرة ــ وجهات النظر العامة والخاصة في أوروبا والعالم العربي"، بحضور ومشاركة نخبة من مقتنى الأعمال الفنية الذين انضموا إلى الكاتب الإماراتي سلطان سعود القاسمي مؤسس "مؤسسة بارجيل للفنون" وخبيرة مقتنيات "متحف برشلونة للفن المعاصر" الناقدة والقيمة الفنية مونتسى باديا، والذين ناقشوا حيثيات اقتناء الأعمال الفنية المعاصرة، كما تناول الحوار الذى أدارته المستشارة الفنية رانيا غندور وجهات النظر الأوروبية والعربية للمقتنيات العامة والخاصة، مع الأخذ بعين الاعتبار النماذج التقليدية وابتكارات القرن الحادي والعشرين.